إذا أردنا أن نعرف شيئاً من عظمة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأثره في واقع هذه الدنيا وفي حياة الإِنسَانية؛ فلننظر إِلَى واقع الأمم التي بُعث فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف كَانَ العالم قبيل مبعثه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن أي مؤرخ مُنصف يقرأ ويتتبع حال العالم قبل بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حال العالم بعد أن عمَّ عليه نور الإسلام، فسيجد أن هذا نبي حقاً من عند الله، وليس بمفتر؛ بل سيجد أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم الخلق منّهً عَلَى البشر، وعلى الإِنسَانية جمعاء، وعلى سائر الحضارات.
فإن الأمة التي بعث منها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي أمة العرب وما أدراك ما أمة العرب في الجاهلية؟! لما ذهب وفد الْمُسْلِمِينَ إِلَى رستم تقدموا هنالك، وأخذوا يتوغلون في بلاد فارس وأرسل إليهم سعد بن أبي وقاص -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الرسل، وكان منهم ربعي بن عامر والمغيرة بن شعبة، وكلهم كَانَ يواجههم رستم ويقول: أنتم العرب، كنتم تأكلون الميتة، والجعلان، وكان بعضكم يعتدي عَلَى بعض، ويذمهم بأنواع من الذم. ثُمَّ يقول لهم: فما الذي جَاءَ بكم؟
فكان يجيبه المغيرة وربعي بن عامر، ويقولان: أيها الأمير! كَانَ ما تقول وأعظم، أنت لا تدري بالعرب، فـالفرس والروم وكل من أراد أن يطعن في العرب لا يدري عن المعايب الأخرى، والعرب هم أعلم النَّاس بما كانوا فيه من الضلال، والأخطاء، والظلم، والفحشاء، كما جَاءَ في الحديث الصحيح أن الزواني كن ينصبن الرايات في الأسواق، فيأتي عليهن الرجال الواحد بعد الآخر، فإذا ولدت ألحقته بمن شاءت، هذه إحدى صور النكاح في الجاهلية التي جاءت في الحديث عن عَائِِِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، فكان الإِنسَان يستلحق من ليس بابنه ويدعيه ويأخذه.
وكانت قطيعه الأرحام إِلَى حد كما قال شاعرهم:
وأحياناً عَلَى بكر أخينا            إذا ما لم نجد إلا أخانا
يقول: نَحْنُ نغير عَلَى القبائل كلها، فنأخذ وننهب، وإذا لم نجد إلا أخانا أغرنا عَلَى أخينا وأخذنا ما عنده، ليس هنالك معيار ولا ضابط خلقي أبداً.
وكانت من عادتهم إهانة المرأة واحتقارها؛ حتى أنها توأد وهي حية في التراب، وهذا إهدار لإنسانيتها ولكرامتها، وكان العرب يعبدون الأصنام، وكان أحدهم يجمع العجوة من التمر، فيعبده فإذا جاع أكله، وكان العرب عندما يتحاكمون يضربون بالأزلام، فإذا انقلبت عَلَى هذه الجهة حكم لفلان، وإذا انقلبت عَلَى الجهة الأخرى حكم لفلان.
وكانوا يذهبون إِلَى الكهان ويتحاكمون إليهم في أي أمر من الأمور، والكهان يحكمون بينهم، وكان السادة والكبراء يحكمون ويتسلطون، وأما الذين هم من بيوت وأسر دون ذلك من الطبقات فلا قيمة لهم ولا وزن، مهما كَانَ فيهم من الخير أو النبوغ وقد جَاءَ بعضها في الكتابِ والسنة وفي ديوان العرب -الذي هو شعر العرب -وجاء في حياتهم وسيرتهم الجاهلية ما يعطي الدلالة الواضحة عَلَى أن هذه الأمة لولا هذا الدين لما كانت شيئاً مذكوراً، بل لم تكن تسمى أمة،
كما قال قائلهم -ممن كَانَ يعبد الأوثان، عندما رأى الثعلب قد رقى عَلَى الصنم وبال عليه-:
أرب يبول الثعلبان برأسه            لقد ضل من بالت عليه الثعالب